أزهار الروضات في إثبات أن فاطمة سيدة الكائنات

أزهار الروضات في إثبات أن فاطمة سيدة الكائنات

Share on facebook
Share on twitter
Share on linkedin
Share on whatsapp
مقدمة

في هذا الشهر المبارك ، شهر محرم الحرام ، يتذكر المؤمنون الدماء الطاهرة التي سالت بأرض كربلاء المقدسة ، ويعطرون ألسنتهم بذكر الإمام الحسين وأعوانه ، ويتفكرون في ثورتهم على الظلم والطغيان بكل خصائصها وعناوينها ؛ ولما كان ذلك مقتضى فريضة {إلا المودة فِى القربى} وواجبا على كل من يعشق آل طه عشقا ينبثق من قلب نابض بحب سيدنا محمد لوددت أن أشارك في ذلك الذكر والفكر بهدية متواضعة من عبد فقير يتمنى إرضاء ساداته . فبينما كنت منهمكا في تحرير مقالة محاولا إلباس بعض أفكاري العارية لباس الألفاظ قطع تسلسلَ أفكاري سؤالٌ غير متوقع حول جواز إطلاق لقب “سيدة الكائنات” على سيدتنا فاطمة الزهراء فذكر السائل أن بعض الناس لم يكتف بتخطئة من يصف الحضرة الفاطمية بهذا الوصف بل بالغ وقال إنه ستار للرفض الخفي وترويج لطريقة مستحدثة تؤدي إلى تضليل العوام وتشتيت الأفهام. مع أني استغربت سؤاله قد رأيت لزاما علي أن أجيبه وأرسل إلى الإخوان هذا البيان لتجلية الأمر حتى لا يبقى التباس. وهو الباعث الذي دفعني إلى أن أتقصى هذا الموضوع وليس المقصود بهذا الفعل أن أغمز الطرف الآخر بل أرقم هذه السطور راجيا ألا يحمل من اختلفنا معهم حديثنا غير أنه نقاش إخوة يبغون نفس المصلحة لأهل الإيمان. ويجب أن أذكر هنا أني سأكتفي في هذه المقالة بالإشارات الدالة ؛ دون التفاصيل التي ربما لا يسع هذه الوريقات المحدودة لسردها. والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل

:خلاصة الاعتراض الذي أتى به المعتر

:قال إنه لا يصح إطلاق لقب “سيدة الكائنات” على مولاتنا البتول سلام الله عليها كما تروج بين علماء القارة الهندية وذلك لسببين

إنه يشعر بأن فاطمة بنت النبي أفضل من الأنبياء والخلفاء الأربعة وسيدتهم وإن لم يصرح به القائل لأن لفظ الكائنات عبارة عن كل موجود سوى الله تعالى فعمومه يتناول من هو أفضل منها من الأنبياء والملائكة والخلفاء الأربعة وهذا يتعارض مع ما عليه أهل السنة والجماعة

لم نعثر على هذا اللقب لها – بعد البحث والتفتيش – في تواليف المتقدمين والمتأخرين فالظاهر أنه شيئ مستحدث يبدو عليه سمات الرف

رد الشق الأول

بيد أنه كلام غريب يدل على سطحية وفهم غير ناضج إنه يكشف عن أن العاملين الرئيسين الذين أديا إلى الاعتراض هما

أ‌. الخوف من تأثير الشيعة على جمهور أهل السنة
ب‌. وقلة المعرفة عن القواعد العربية

مفهوم الكائنات

.إن كلمة “كائنات” عبارة عما سوى الله تعالى من الإنس والجان والملائكة وغيرهم من الموجودات فهي من هذه الناحية مترادفة للعالم

:فقال الجوهري

والعالم: الخلق ، والجمع العوالم. والعالمون: أصناف الخلق

:وقال ابن منظور

والعالمون أصناف الخلق والعالم الخلق كله

:وقال الفيومي

العالم بفتح اللام الخلق وقيل مختص بمن يعقل وجمعه بالواو والنون

:وقال الفيروزآبادي

والعالم الخلق كله

:وقال الرازي

أن العالم اسم لكل موجود سوى الله تعالى

انتقال المعنى بالإرادة

من المعلوم والمشهور عند أهل البصيرة أن اللفظ الخاص قد ينتقل إلى معنى العموم والعام قد ينتقل إلى الخصوص بالإرادة التي تدل عليها قرائن تصحب الكلام وتبين مراد المتكلم ومن أهمها

ا. حال المتكلم المعهود

ب. حال المتكلم الطارئ

ت. الظرف

ث. السياق والسباق

والأصل في الأقوال والأفعال التي تصدر من المسلم أن تحمل على أوجه لا تتعارض مع أصل الإسلام والتسنن فكونه مسلما سنيا قرينة حالية قوية توجب حمل كلامه على ما يوافق عقيدته وتدل على مراده

:لذلك قال الإمام أحمد رضا خان، متحدثا عن مسلم يطلق لقب ملك الملوك على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تعريبه

حقيقة الأمر أنه يمنع إطلاق هذا اللقب إن أريد به الاستغراق الحقيقي…وإثبات السلطة على كافة الملوك لأن هذا الوصف مختص بالله تعالى وإطلاقه على غيره كفر صريح ولأن الاستغراق الحقيقي هنا يتناول الله عز وجل…لكن حاشا لله أن يريد المسلم ذلك المعنى بل لا يتحول ذهن أحد إليه فعلم قطعا أنه يريد العهد أو الاستغراق العرفي كما هو مفهوم ومستفاد من كلامه وكون المتكلم مسلما يدل على ذلك دلالة قاطعة

.وهذا من قبيل قول الموحد أنبت الربيع البقل وتفاصيله معروفة لدى أهل العلم مسطورة في باب المجاز العقلي من كتب المعاني

عمل لام التعريف في إفادة العموم والخصوص

بينما يعين القرائن مراد المتكلم كما ذكر سالفا قد استفيد الخصوص والعموم في الكلام من عدة أدوات منها لام التعريف التي تدل على العموم إن كانت للطبيعة على قول والاستغراق الحقيقي والعرفي والتي تدل على الخصوص إن كانت للعهد فقال السيد الشريف

»فاللام إذا دخلت على اسم فإما أن يشار بها إلى حصة معينة من مسماه، فردا كان أو أفرادا ، مذكورة تحقيقا أو تقديرا، وتسمى لام العهد«

يعلم من بيان السيد الشريف أن اللام للعهد تشار بها إلى حصة معهودة معينة من المسمى دون جميع أفراده على سبيل الاستغراق وقد تكون تلك الحصة مذكورة وقد تكون مقدرة. وقد قال الدسوقي في هذا الصدد لام العهد الخارجى وتحته أقسام ثلاثة: صريحى وكنائى و علمى؛ وذلك لأن مدخولها إن تقدم له ذكر صراحة كانت للعهد الصريحى، و إن تقدم له ذكر كناية كانت للعهد الكنائى، و إن لم يتقدم له ذكر أصلا، لكنه معلوم عند المخاطب سواء كان حاضرا أو لا فهى للعهد العلمى

وصرح الدسوقي بأن الحصة المتعينة التي تدل عليه لام العهد والتي يريدها المتكلم قد تكون معلومة لدى المتكلم والمخاطب حتى لا يلزم ذكره صريحا ولا كنائيا لفهم المخاطب مراد المتكلم ولذلك شواهد قرآنية كثيرة.

منها: قول الله تعالى: {وأني فضلتكم على العالمين}

ولما كان لفظ العالمين في هذه الآية جمعا معرفا باللام وهو من صيغ العموم والاستغراق عند أكثر الأصوليين دخل تحته كل ما سوى الله من الخلق وإن كان هذا الفهم محتملا من حيث ظاهر الآية إنه يخالف النصوص القرآنية والحديثية التي وردت في تفضيل الأمة المحمدية على غيرها من الأمم وتفضيل الأنبياء على غيرهم من الناس فوجود النصوص الأخرى قرينة توجب حمل الآية المذكورة أعلاه على الخصوص فتعين أن المراد بها فضل بني إسرائيل على حصة معهودة معينة من العالمين وهي عالم ذلك الزمان دون جميع العالمين وقد أشارت اللام الداخلة على العالمين إلى هذا الخصوص لإنها للعهد العلمي دون الاستغراق والمعهود كان معلوما لدى المخاطب وهو سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أصالة وأمته تبعا. لذا قال الطبري

وأخرج جل ذكره قوله: (وأني فضلتكم على العالمين) مخرج العموم وهو يريد به خصوصا لأن المعنى وإني فضلتكم على عالم من كنتم بين ظهريه وفي زمانه

ومنها قوله تعالى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ}

إن ظاهر هذه الآية عام في وجوب الحج على الناس جميعا لأن الناس اسم جمع يعرف باللام وعمومه يتناول كل الأفراد مسلمين كانوا أو غير مسلمين لكن اقتضت قريينة النصوص الأخرى التي جاء فيها تخصيص المسلمين بأمر الحج أن يكون المراد به هنا حصة معينة من الناس وهي المسلمون فخرج منه اليهود والنصارى وغيرهم من الكافرين وقد أفادت لام العهد المقرونة بالناس هذا الخصوص

ومنها قوله تعالى: {لئن اتخذت الها غيرى لاجعلنك من المسجونين}

:فقال الآلوسي

»اللام للعهد أى لأجعلنك من الذين عرفت أحوالهم فى سجونى فإنه كان يطرحهم فى هوة عميقة حتى يموتوا ولذلك لم يقل لأسجنك«

.أي أن لفظ المسجونين ليس على عمومه بل يراد به جماعة مخصوصة من المسجونين على الرغم من كون صيغته من صيغ العموم كما سبق ذكره

الأشباه والنظائر

قد ذكر غير واحد من العلماء ألقابا تماثل لقب “سيدة الكائنات” من حيث العموم ولم ينكر أحد من العلماء عليهم ولم يتهمهم بالتأثر بأهل البدع فإذا عنون الدارقطني بابا في علله ب»من حديث سيدة العالمين: فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم

لم يكن إرادته العموم والشمول حتى يلزم أفضلية مولاتنا الزهراء على كافة الخلق حتى الأنبياء، بل عرف العامة والخاصة أنه أراد الخصوص الذي دلت عليه قرينة حاله وعقيدته والذي استفيد من كلامه فلا مجال لأن يُنظر إليه نظر ريبة

وكذلك أخرج أبو نعيم حديثا في فضل سيدتنا فاطمة صلوات الله عليها بلفظ ظاهره يقتضي العموم فروى بسنده أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمولاتنا الزهراء سلام الله عليها: »يا بنية أما ترضين أنك سيدة العالمين» قالت : تقول يا أبت فأين مريم بنت عمران؟ قال: تلك سيدة نساء عالمها، وأنت سيدة نساء عالمك

وتجدر الإشارة هنا إلى أن مولانا وحبيبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بلفظ عام في هذه الرواية بإرادة الخصوص وهو ظاهر من قوله »وأنت سيدة نساء عالمك. ولم يحكم أحد من النقاد على لفظها بالنكارة وإن كان سنده ضعيفا – لأن المراد منه معلوم وثابت من روايات صحيحة بل نقله بعض العلماء في تواليفهم بهذا اللفظ منهم الذهبي في تاريخ الإسلام وقد ذكره النووي بلفظ آخر ظاهره عام أيضا فقال: يا فاطمة أما ترضين أن تكوني سيدة المؤمنين ولم ينكره العلماء هذا اللفظ للحديث ولم يزعم أحدم منهم أنه يوهم أفضلية الزهراء على جميع أهل الإيمان لأن كلمة المؤمنين جمع معرف فيفيد الاستغراق وسبب عدم إنكارهم هو أن إرادة الخصوص واضحة فلم يحمله أحد على ظاهر عمومه.

وكذلك ورد بلفظ “سيدة هذه الأمة” وظاهره أيضا يفيد العموم الذي يتناول جميع أهل الإيمان منهم الخلفاء الأربعة لكن لم ينكره المحدثون لأنه واضح المراد

:ومضافا إلى ذلك قال الإمام أحمد رضا خان

حضرة البتول ، بضعة الرسول ، سيدة العالم ، ملكة العالم ، سيدة النساء فاطمة الزهراء أميرة الكونين« ولا يخفى ما في لفظي العالم والكونين من العموم إذ يتناولان جميع الخلق غير أن معنى كل منهما هنا انتقل إلى الخصوص بإرادة المتكلم وإن قرينة تسننه تعين مراده قطعا

ملاحظة مهمة

ولو قيل: إن ما ذكرناه أعلاه مردود لأنه ليس مطردا في جميع الأحوال لأننا لا نطلق مثل “رحمة للعالمين” على أحد إلا سيدنا الحبيب الأعظم ولو بإرادة الخصوص فأجيب : إن هذا الوصف مختص بسيدنا النبي صلى الله عليه وسلم لأنه يستلزم كونه أفضل الخلق كافة كما صرح به الرازي في تفسيره ومحي الدين شيخ زاده في حاشيته على تفسير البيضاوي حيث قال : “ومن كان رحمة للعالمين لزم أن يكون أفضل من كل العالمين” فلا يجوز إطلاق الخصائص إلا على المختص بها فتدبر

خلاصة ما قيل في رد الشق الأول

عندما يطلق المسلم السني “سيدة الكائنات” على السيدة الطاهرة فاطمة الزهراء تدل قرينة إسلامه وتسننه دلالة قاطعة على أنه يريد العهد والخصوص دون الاستغراق الحقيقي والعموم ولا يتبادر إلى العقول السليمة غير هذا ولا يتحول الأذهان الذكية إلى معنى آخر

تعين مراد المتكلم بهذه القرائن وهو أن السيدة فاطمة سيدة حصة معلومة من الكائنات استثنى منها الأنبياء والخلفاء الأربعة ولا يلتفت إلى معنى آخر

وقد استفيد الخصوص في كلامه من لام العهد الداخلة على العالمين فطابق ألفاظ المتكلم مراده

والمعهود معلوم لدى كل سني يتبع أقوال أئمة أهل السنة في أفضلية سيدنا أبي بكر على الناس إلا الأنبياء وفي أفضلية سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على جميع الخلائق. ولا يستبعد أن تكون للاستغراق على سبيل الادعاء للمبالغة

فصح وجاز إطلاق الناس “سيدة الكائنات” على مولاتنا فاطمة الزهراء شرعا ولغة وعرفا حتى لا ينبغي حمل كلامهم على أنهم غالوا أو تأثروا بالروافض بل يحمل على محمل حسن لأنهم من أهل الإيمان والسنة

رد الشق الثاني

لا يلزم من عدم ورود لقب لشخصية محترمة في كتب المتقدمين والمتأخرين بطلانه كما لا احتيج إلى سابقة يقاس عليها. فلما كانت كثرة الأسماء تدل على شرف المسمى لما تتضمنه من نعوت وأوصاف قد قام العلماء باستخراج وجمع أسماء سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وألقابه وكناه فمنهم العارف الجزولي الذي استنبط بمجرد النظر ٢٠٢ اسما لسيدنا الحبيب الأعظم لم يذكر الكثير منها أحد ممن سبقه ولم ير أحد ممن جاء بعده أي غضاضة في ذلك وكذا استخرجوا أسماء وألقابا لكبار العلماء والأولياء وأمثال ذلك لا يحصى

وبناء على ما ذكرنا في رد شقي الاعتراض قد اتضح الحال وزال الإشكال ولله الحمد

الختام

ربما ظن المعترض أن هذا اللقب مما يؤدي إلى سوء الأدب مع الحضرة الإلهية لأنه تعالى سيد الكائنات ومالك العالمين حقيقة فمنعه علما بأن المنع في باب الأدب يحمل على الكراهة تنزيها فهو لم يفسق ولم يبدع من يصف سيدتنا فاطمة بهذا اللقب. وهذا غاية ما يمكن أن يقال في توجيه اعتراضه لكن الصواب – فيما يظهر لي – خلافه كما بينته سالفا. وحقيقة الأمر أن من الأوصاف النبيلة التي حبا الله بها المؤمن مطالعة كل الأمور من حوله بفهم ووعي وإيجابية دون التسرع في الحكم على الناس أو النظر إلى الأمور نظرة سلبية. لذلك ينبغي أن نختم هذه الوريقات بأن الاختلاف في الرأي لا ينبغي أن يثير التفرقة بين المسلمين لأنه يمكن أن يأخذ كل واحد بما يترجح لديه من الأقوال بعد النظر فيها وتمحيص الأدلة وتقييمها من دون التشهي واتباع الهوى. فأرجو الله تعالى أن يوحد كلمتنا وأن يزين قلوبنا بحب أهل البيت الطيبين الطاهرين المحفوظين

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. والحمد لله رب العالمين

Explore more